.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

صام تسعة رمضانات

==========================================================

عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ).(صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان)
فرض صيام رَمَضَان فِي شعْبَان من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وبالتالي فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، صام تسعة رمضانات، كونه مات قبل حلول رمضان السنة التي مات فيها، جاء في فتح الباري: "وَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ".(فتح الباري: 3/ 211)
صيام الفرض والتطوع
يقول الإمام العيني بشأن قَوْل عائشة، رضي الله عنها، في الحديث المثبت نصه أعلاه: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ) يَعْنِي: يَنْتَهِي صَوْمه إِلَى غَايَة نقُول: إِنَّه لَا يفْطر، وينتهي إفطاره إِلَى غَايَة حَتَّى نقُول: إِنَّه لَا يَصُوم، وَذَلِكَ لِأَن الْأَعْمَال الَّتِي يتَطَوَّع بهَا لَيست منوطة بأوقات مَعْلُومَة، وَإِنَّمَا هِيَ على قدر الْإِرَادَة لَهَا، والنشاط فِيهَا.
وقَوْلها: (فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ) هَذَا يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يصم شهراً تَاماً غير رَمَضَان.(عمدة القاري شرح صحيح البخاري:11/83)
وفي صحيح مسلم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: (قُلْتُ لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلَّا رَمَضَانَ، وَلَا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)(صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب صيام النبي، صلى الله عليه وسلم، في غير رمضان...)

تخصيص شعبان بالصوم
جاء في عون المعبود تفسير لتخصيص شعبان بالصوم، ومحاولة التوفيق بين الروايات بخصوص صيامه كله أو بعضه، بالنظر لنفي عائشة، رضي الله عنها، في حديثها أعلاه عن صيامه صلى الله عليه وسلم، شهراً كاملاً إلا رمضان، وقولها: (يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُخْلِيَ شَهْرًا مِنْ صِيَامٍ، وَأَنَّ صَوْمَ النَّفْلِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ كُلُّ السَّنَةِ صَالِحَةٌ لَهُ إِلَّا رَمَضَانَ وَالْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ.
قِيلَ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ، وَيَصُومُ بَعْضَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى.
وَقِيلَ: كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ، وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ، وَتَارَةً بَيْنَهُمَا، وَمَا يُخْلِي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ، لَكِنْ فِي سِنِينَ.
وَقِيلَ: فِي تَخْصِيصِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ؛ لِكَوْنِهِ تَرْتَفِعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (صحيح مسلم بشرح النووي:8/36، وعون المعبود:7 /71)

مراحل وأحكام سبقت ما استقر عليه فرض الصيام الحالي
سبق فرض صيام شهر رمضان على النحو الآخر، الذي نصومه حالياً، أنواع أخرى من الصيام، وأحكام أولية تغيرت والقرآن ينزل، وقبل أن يتوفى الله نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، ويمكن بيان هذا التغير على النحو الآتي:
في المرحلة الأولى من مراحل فرض الصوم خير الله عباده بين أن يصوموا أو يطعموا مسكيناً عوضاً عن صيام كل يوم، فقال تعالى: {... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:184)
وعَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: 184) (كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا).(صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة، باب{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}(البقرة: 185))
أما ابن عباس فقد نفى أن يكون في المسألة نسخ، فعَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ...، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ، وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ، لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا).(صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة، باب قوله {أياماً معدودات...}(البقرة: 184))
وفي المحصلة فإن التخيير العام بين الصوم والفدية، انتهى بفرض الصيام في قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة:185)
وتؤكد منحى النسخ رواية مسلم عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: (كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ)، حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(البقرة: 185))(صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان نسخ قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة: 184] بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185])
وعن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ). (صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب {وعلى الذين يطيقونه فدية}(البقرة: 184))
وبالنسبة إلى المطلوب الشرعي للصيام، فكانت له أحكام في البداية نسخت لاحقاً، ومن تلك الأحكام، تلك المتعلقة بنوم من عليه صوم بعد غروب الشمس، فكان الواحد إذا نام يلزمه الإمساك عن المفطرات لغروب شمس اليوم التالي، حتى استقر الأمر على نسخ هذا الحكم، فعَنِ البَرَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187])(صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قول الله جل ذكره: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ... } [البقرة: 187])
الصوم الذي فرض أولاً
فيما يتعلق بالصوم الذي وجب أولاً، جاء في عمدة القاري: اخْتلفُوا فِي أَي صَوْم وَجب فِي الْإِسْلَام أَولا، فَقيل: صَوْم عَاشُورَاء، وَقيل: ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، فعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ). (صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب وجوب صوم رمضان)
وَقد اخْتلف السّلف: هَل فرض على النَّاس صِيَام قبل رَمَضَان أَو لَا؟ فالجمهور وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الشَّافِعِيَّة: أَنه لم يجب قطّ صَوْم قبل صَوْم رَمَضَان، وَفِي وَجه، وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة: أول مَا فرض صِيَام عَاشُورَاء، فَلَمَّا نزل رَمَضَان، نسخ، وَالله أعلم. (عمدة القاري: 10/254)
فرض صيام شهر رمضان
نزل الأمر بصيام شهر رمضان في القرآن الكريم، فقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183)
وصيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، فعن ابن عُمَرَ، رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس")
وكان الرسول، صلى الله عليه وسلم، واضحاً في تحديد الصيام المفروض في الإسلام، من خلال إجاباته عن أسئلة الأعرابي الذي سأل عن فرائض الإسلام، فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ).(صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب وجوب صوم رمضان)
وفي الحديث دلالة على أنه لا فرض في الصوم إلا رمضان، وإنما لم يستكمل شهرًا غير رمضان لئلا يظن وجوبه.(إرشاد الساري للقسطلاني: 3/345+401)
فالرسول، صلى الله عليه وسلم، حدد الفرائض، وأبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه للتطوع، ويتماشى هذا النهج النبوي مع قوله تعالى في الحديث القدسي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).(صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع)
ففرض صيام رمضان وأحكامه يتماشيان مع مبدأ التيسير ورفع الحرج المعتبر في الشرع، استناداً لقوله عز وجل: {... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...} (الحج:78)
يقول ابن القيم: "لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرض صيام رمضان إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطَّنت النفوس على التوحيد، والصلاة، وألِفَتْ أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدرج". (زاد المعاد لابن القيم: 2 /30).
فهذه وقفة تأملية مع فرض صيام شهر رمضان، عسى الله أن ييسر لنا صيامه وقيام لياليه حسب الأوامر الربانية التي نزل بها القرآن الكريم، والمأثور عن النبي، محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
5 رمضان 1445هـ

تاريخ النشر 2024-03-15
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس